فصل: تفسير الآيات (47- 60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (47- 60):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}
قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ} كما أرسلناك إلى قومك {فَجَاءُوهُم بالبينات} أي بالمعجزات، والحجج النيرات {فانتقمنا}: أي فكفروا فانتقمنا {مِنَ الذين أَجْرَمُواْ} أي فعلوا الإجرام، وهي الآثام {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين، ووقف بعض القراء على {حقاً} وجعل اسم كان ضميراً فيها وخبرها حقاً، أي وكان الانتقام حقاً. قال ابن عطية: وهذا ضعيف، والصحيح أن نصر المؤمنين اسمها وحقاً خبرها وعلينا متعلق ب {حقاً}، أو بمحذوف هو صفة له. {الله الذي يُرْسِلُ الرياح} قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وابن محيصن: {يرسل الريح} بالإفراد. وقرأ الباقون: {الرياح} قال أبو عمرو: كل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد، وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما سبق من أحوال الرياح، فتكون على هذا جملة: {ولقد أرسلنا} إلى قوله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} معترضة {فَتُثِيرُ سحابا} أي تزعجه من حيث هو {فَيَبْسُطُهُ فِي السماء كَيْفَ يَشَاء} تارة سائراً وتارة واقفاً، وتارة مطبقاً، وتارة غير مطبق، وتارة إلى مسافة بعيدة، وتارة إلى مسافة قريبة، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة وفي سورة النور {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} تارة أخرى، أو يجعله بعد بسطه قطعاً متفرقة، والكسف جمع كسفة. والكسفة: القطعة من السحاب.
وقد تقدم تفسيره واختلاف القراءة فيه {فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} الودق: المطر، و{من خلاله}: من وسطه. وقرأ أبو العالية والضحاك: {يخرج من خلله}. {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} أي بالمطر {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي بلادهم وأرضهم {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} إذا هي: الفجائية، أي فاجؤوا الاستبشار بمجيء المطر، والاستبشار: الفرح.
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} أي من قبل أن ينزل عليهم المطر، وإن هي المخففة، وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها، أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم، وقوله: {مِن قَبْلِهِ} تكرير للتأكيد، قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس.
وقال قطرب: إن الضمير في: {قبله} راجع إلى المطر، أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل: المعنى: من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر. وقيل: من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب، أي من قبل رؤيته، واختار هذا النحاس. وقيل: الضمير عائد إلى الكسف. وقيل: إلى الإرسال. وقيل: إلى الاستبشار. والراجح الوجه الأول، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف، وخبر كان {لَمُبْلِسِينَ} أي آيسين أو بائسين.
وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذا.
{فانظر إلى أَثَرِ رَحْمَتَ الله} الناشئة عن إنزال المطر من النبات والثمار والزرائع التي بها يكون الخصب ورخاء العيش، أي انظر نظر اعتبار واستبصار لتستدلّ بذلك على توحيد الله، وتفرده بهذا الصنع العجيب. قرأ الجمهور: {أثر} بالتوحيد. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي: {آثار} بالجمع {كَيْفَ يُحْييِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} فاعل الإحياء ضمير يعود إلى الله سبحانه، وقيل: ضمير يعود إلى الأثر، وهذه الجملة في محل نصب بانظر، أي انظر إلى كيفية هذا الإحياء البديع للأرض. وقرأ الجحدري، وأبو حيوة: {تحيي} بالفوقية على أن فاعله ضمير يعود إلى الرحمة، أو إلى الآثار على قراءة من قرأ بالجمع، والإشارة بقوله: {إِنَّ ذلك} إلى الله سبحانه، أي إن الله العظيم الشأن المخترع لهذه الأشياء المذكورة {لَمُحْييِ الموتى} أي لقادر على إحيائهم في الآخرة، وبعثهم، ومجازاتهم كما أحيا الأرض الميتة بالمطر {وَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} أي عظيم القدرة كثيرها.
{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً} الضمير في: {فرأوه} يرجع إلى الزرع، والنبات الذي كان من أثر رحمة الله، أي فرأوه مصفراً من البرد الناشئ عن الريح التي أرسلها الله بعد اخضراره. وقيل: راجع إلى الريح، وهو يجوز تذكيره وتأنيثه. وقيل: راجع إلى الأثر المدلول عليه بالآثار. وقيل: راجع إلى السحاب لأنه إذا كان مصفراً لم يمطر، والأول أولى. واللام هي الموطئة، وجواب القسم {لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}، وهو يسدّ مسد جواب الشرط. والمعنى: ولئن أرسلنا ريحاً حارة أو باردة، فضربت زرعهم بالصفار لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله، ويجحدون نعمه، وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم وعدم صبرهم، وضعف قلوبهم، وليس كذا حال أهل الإيمان. ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال: {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} إذا دعوتهم، فكذا هؤلاء لعدم فهمهم للحقائق ومعرفتهم للصواب {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} إذا دعوتهم إلى الحق، ووعظتهم بمواعظ الله وذكرتهم الآخرة وما فيها، وقوله: {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات وكونهم صمّ الآذان، قد تقدّم تفسير هذا في سورة النمل. ثم وصفهم بالعمى فقال: {وَمَا أَنتَ بِهَادِ العمى عَن ضلالتهم} لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي. أو لفقدهم للبصائر {إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} أي ما تسمع إلاّ هؤلاء لكونهم أهل التفكر والتدبر والاستدلال بالآثار على المؤثر {فَهُم مُّسْلِمُونَ} أي منقادون للحق متبعون له.
{الله الذي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} ذكر سبحانه استدلالاً آخر على كمال قدرته، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة، ومعنى من ضعف: من نطفة.
قال الواحدي: قال المفسرون: من نطفة، والمعنى: من ذي ضعف. وقيل: المراد: حال الطفولية والصغر {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ}، وهي قوّة الشباب، فإنه إذ ذاك تستحكم القوّة وتشتدّ الخلقة إلى بلوغ النهاية {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} أي عند الكبر والهرم {وَشَيْبَةً} الشيبة هي: تمام الضعف ونهاية الكبر. قرأ الجمهور: {ضعف} بضم الضاد في هذه المواضع. وقرأ عاصم وحمزة بفتحها. وقرأ الجحدري بالفتح في الأوّلين والضم في الثالث. قال الفراء: الضم لغة قريش والفتح لغة تميم. قال الجوهري: الضعف والضعف خلاف القوّة، وقيل: هو بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسم {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} يعني: من جميع الأشياء، ومن جملتها القوّة والضعف في بني آدم {وَهُوَ العليم} بتدبيره {القدير} على خلق ما يريده، وأجاز الكوفيون: {من ضعف} بفتح الضاد والعين.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أي: القيامة، وسميت ساعة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا {يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} أي يحلفون ما لبثوا في الدنيا، أو في قبورهم غير ساعة، فيمكن أن يكونوا استقلوا مدّة لبثهم، واستقرّ ذلك في أذهانهم، فحلفوا عليه وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع.
وقال ابن قتيبة: إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل، وهذا هو الظاهر؛ لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا، فقد علم كل واحد منهم مقداره، وإن أرادوا لبثهم في القبور فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ {كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} يقال: أفك الرجل: إذا صرف عن الصدق، فالمعنى: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون. وقيل: المراد يصرفون عن الحق. وقيل: عن الخير، والأوّل أولى، وهو دليل على أن حلفهم كذب.
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كتاب الله إلى يَوْمِ البعث} اختلف في تعيين هؤلاء الذين أوتوا العلم، فقيل: الملائكة. وقيل: الأنبياء. وقيل: علماء الأمم. وقيل: مؤمنو هذه الأمة، ولا مانع من الحمل على الجميع. ومعنى في كتاب الله: في علمه وقضائه. قال الزجاج: في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ. قال الواحدي: والمفسرون حملوا هذا على التقديم والتأخير على تقدير: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله، وكان ردّ الذين أوتوا العلم عليهم باليمين للتأكيد، أو للمقابلة لليمين باليمين، ثم نبهوهم على طريقة التبكيت بأن {هذا} الوقت الذي صاروا فيه هو {يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق، بل كنتم تستعجلونه تكذيباً واستهزاء. {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ} أي لا ينفعهم الاعتذار يومئذ ولا يفيدهم علمهم بالقيامة. وقيل: لما ردّ عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا.
قرأ الجمهور: {لا تنفع} بالفوقية، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتحتية {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يقال: استعتبته فأعتبني، أي استرضيته، فأرضاني، وذلك إذا كنت جانياً عليه، وحقيقة أعتبته أزلت عتبه، والمعنى: أنهم لا يدعون إلى إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إلى ذلك في الدنيا.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرءان مِن كُلّ مَثَلٍ} أي من كلّ مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله وصدق رسله واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِئَايَةٍ} من آيات القرآن الناطقة بذلك، أو لئن جئتهم بآية كالعصا واليد {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ} أي ما أنت يا محمد وأصحابك إلاّ مبطلون أصحاب أباطيل تتبعون السحر وما هو مشاكل له في البطلان {كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الفاقدين للعلم النافع الذي يهتدون به إلى الحق، وينجون به من الباطل. ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر معللاً لذلك بحقية وعد الله وعدم الخلف فيه، فقال: {فاصبر} على ما تسمعه منهم من الأذى وتنظره من الأفعال الكفرية فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم وإعلاء حجتك وإظهار دعوتك ووعده حق لا خلف فيه {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ} أي لا يحملنك على الخفة، ويستفزنك عن دينك، وما أنت عليه، الذين لا يوقنون بالله، ولا يصدقون أنبياءه، ولا يؤمنون بكتبه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقال: استخف فلان فلاناً، أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ. قرأ الجمهور: {يستخفنك} بالخاء المعجمة والفاء، وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق، والنهي في الآية من باب: لا أرينك هاهنا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مامن مسلم يردّ عن عرض أخيه إلاّ كان حقاً على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة»، ثم تلا: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين}. وهو من طريق شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عن أبي الدرداء.
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قال: قطعاً بعضها فوق بعض {فَتَرَى الودق} قال: المطر {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} قال: من بينه.
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر، والإسناد ضعيف. والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الآية على ردّ رواية من روى من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أهل قليب بدر، وهو من الاستدلال بالعام على ردّ الخاص، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إنك تنادي أجساداً بالية: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» وفي مسلم من حديث أنس: أن عمر بن الخطاب لما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يناديهم، فقال: يا رسول الله، تناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون؟ يقول الله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى}، فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا».

.سورة لقمان:

آياتها أربع وثلاثون آية.
وهي مكية إلا ثلاث آيات، وهي قوله: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} إلى تمام الآيات الثلاث، قاله ابن عباس فيما أخرجه النحاس عنه.
وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أنها مكية ولم يستثن.
وحكى القرطبي عن قتادة أنها مكية إلا آيتين.
وأخرج النسائي وابن ماجه عن البراء قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر نسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات.

.تفسير الآيات (1- 11):

{الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)}
قوله: {الم * تِلْكَ ءايات الكتاب} قد تقدم الكلام على أمثال فاتحة هذه السورة ومحلها من الإعراب مستوفى فلا نعيده، وبيان مرجع الإشارة أيضاً، و{الحكيم} إما أن يكون بمعنى مفعل، أو بمعنى فاعل، أو بمعنى ذي الحكمة أو الحكيم قائله، و{هُدًى وَرَحْمَةً} منصوبان على الحال على قراءة الجمهور. قال الزجاج: المعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة، وقرأ حمزة: {ورحمة} بالرفع على أنهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدى ورحمة، ويجوز أن يكونا خبر تلك. والمحسن: العامل للحسنات، أو من يعبد الله كأنه يراه كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح لما سأله جبريل عن الإحسان: فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ثم بين عمل المحسنين فقال: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} والموصول في محل جر على الوصف للمحسنين، أو في محل رفع، أو نصب على المدح أو القطع، وخص هذه العبادات الثلاث؛ لأنها عمدة العبادات {أولئك على هُدًى مّن رَّبّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} قد تقدم تفسير هذا في أوائل سورة البقرة، والمعنى هنا: أن أولئك المتصفين بالإحسان وفعل تلك الطاعات التي هي أمهات العبادات هم على طريقة الهدى، وهم الفائزون بمطالبهم الظافرون بخيري الدارين.
{وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث}: محل {ومن الناس} الرفع على الابتداء كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وخبره {من يشتري لهو الحديث}، و{من} إما موصولة أو موصوفة، و{لهو الحديث}: كل ما يلهي عن الخير من الغناء والملاهي والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر، والإضافة بيانية. وقيل: المراد: شراء القينات المغنيات والمغنين، فيكون التقدير: ومن يشتري أهل لهو الحديث. قال الحسن: لهو الحديث: المعازف والغناء.
وروي عنه أنه قال: هو الكفر والشرك. قال القرطبي: إن أولى ما قيل في هذا الباب هو: تفسير لهو الحديث بالغناء، قال: وهو قول الصحابة والتابعين، واللام في {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} للتعليل. قرأ الجمهور بضم الياء من {ليضل} أي ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق، وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد، وورش وابن أبي إسحاق بفتح الياء. أي ليضل هو في نفسه. قال الزجاج: من قرأ بضم الياء، فمعناه: ليضل غيره، فإذا أضل غيره فقد ضل هو، ومن قرأ بفتح الياء فمعناه: ليصير أمره إلى الضلال، وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة، فإنه يصير أمره إلى ذلك، فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد، ويؤيد هذا سبب نزول الآية وسيأتي.
قال الطبري: قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبد الله العنبري. قال القاضي أبو بكر بن العربي: يجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته إذ ليس شيء منها عليه حرام لا من ظاهرها ولا من باطنها، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها؟ قلت: قد جمعت رسالة مشتملة على أقوال أهل العلم في الغناء وما استدل به المحللون له والمحرمون له، وحققت هذا المقام بما لا يحتاج من نظر فيها وتدبر معانيها إلى النظر في غيرها، وسميتها: (إبطال دعوى الإجماع، على تحريم مطلق السماع) فمن أحب تحقيق المقام كما ينبغي فليرجع إليها.
ومحل قوله: {بغير علم} النصب على الحال، أي حال كونه غير عالم بحال ما يشتريه، أو بحال ما ينفع من التجارة، وما يضر، فلهذا استبدل بالخير ما هو شر محض {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} قرأ الجمهور برفع: {يتخذها} عطفاً على {يشتري} فهو من جملة الصلة. وقيل: الرفع على الاستئناف والضمير المنصوب في {يتخذها} يعود إلى الآيات المتقدم ذكرها، والأول أولى. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش: {ويتخذها} بالنصب عطفاً على {يضل}، والضمير المنصوب راجع إلى السبيل، فتكون على هذه القراءة من جملة التعليل للتحريم، والمعنى: أنه يشتري لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله واتخاذ السبيل هزواً، أي مهزوءاً به، والسبيل يذكر ويؤنث، والإشارة بقوله: {أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} إلى من، والجمع باعتبار معناها، كما أن الإفراد في الفعلين باعتبار لفظها، والعذاب المهين: هو الشديد الذي يصير به من وقع عليه مهيناً.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا} أي وإذا تتلى آيات القرآن على هذا المستهزئ {ولى مُسْتَكْبِراً} أي أعرض عنها حال كونه مبالغاً في التكبر، وجملة: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} في محل نصب على الحال، أي كأن ذلك المعرض المستكبر لم يسمعها مع أنه قد سمعها، ولكن أشبهت حاله حال من لم يسمع، وجملة: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} حال ثانية، أو بدل من التي قبلها، أو حال من ضمير يسمعها، ويجوز أن تكون مستأنفة. والوقر: الثقل، وقد تقدم بيانه، وفيه مبالغة في إعراض ذلك المعرض {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي أخبره بأن له العذاب البليغ في الألم، ثم لما بيّن سبحانه حال من يعرض عن الآيات بيّن حال من يقبل عليها، فقال: {إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي آمنوا بالله وبآياته ولم يعرضوا عنها بل قبلوها وعملوا بها {لَهُمْ جنات النعيم} أي: نعيم الجنات فعكسه للمبالغة، جعل لهم جنات النعيم كما جعل للفريق الأول العذاب المهين، وانتصاب {خالدين فِيهَا} على الحال. وقرأ زيد بن علي: {خالدون فيها} على أنه خبر ثان لأن {وَعْدَ الله حَقّا} هما مصدران الأول مؤكد لنفسه، أي وعد الله وعداً.
والثاني مؤكد لغيره، وهو مضمون الجملة الأولى وتقديره: حق ذلك حقاً. والمعنى: أن وعده كائن لا محالة ولا خلف فيه {وَهُوَ العزيز} الذي لا يغلبه غالب {الحكيم} في كل أفعاله وأقواله.
ثم بيّن سبحانه عزته وحكمته بقوله: {خلِقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} العمد: جمع عماد، وقد تقدم الكلام فيه في سورة الرعد. و{ترونها} في محل جرّ صفة ل {عمد} فيمكن أن تكون ثمّ عمد، ولكن لا ترى. ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال، أي ولا عمد ألبتة. قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول: الأولى أن يكون مستأنفاً، أي ولا عمد ثم {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ} أي جبالاً ثوابت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} في محل نصب على العلة، أي كراهة أن تميد بكم. والكوفيون يقدّرونه: لئلا تميد، والمعنى: أنها خلقها وجعلها مستقرّة ثابتة لا تتحرّك بجبال جعلها عليها وأرساها على ظهرها {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ} أي من كلّ نوع من أنواع الدوابّ، وقد تقدّم بيان معنى البثّ {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي أنزلنا من السماء مطراً فأنبتنا فيها بسبب إنزاله من كلّ زوج، أي من كل صنف، ووصفه بكونه كريماً؛ لحسن لونه وكثرة منافعه. وقيل: إن المراد بذلك: الناس، فالكريم منهم من يصير إلى الجنة، واللئيم من يصير إلى النار. قاله الشعبي، وغيره، والأوّل أولى. والإشارة بقوله: {هذا} إلى ما ذكر في خلق السموات والأرض، وهو مبتدأ وخبره {خَلْقُ الله} أي مخلوقه {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ} من آلهتكم التي تعبدونها، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، والمعنى: فأروني أيّ شيء خلقوا مما يحاكي خلق الله أو يقاربه، وهذا الأمر لهم لقصد التعجيز والتبكيت. ثم أضرب عن تبكيتهم بما ذكر إلى الحكم عليهم بالضلال الظاهر فقال: {بَلِ الظالمون فِي ضلال} فقرّر ظلمهم أوّلاً وضلالهم ثانياً، ووصف ضلالهم بالوضوح والظهور، ومن كان هكذا فلا يعقل الحجة ولا يهتدي إلى الحق.
وقد أخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} يعني: باطل الحديث. وهو النضر بن الحارث بن علقمة اشترى أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم. وكان يكتب الكتب من الحيرة إلى الشام ويكذب بالقرآن.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عنه في الآية قال: باطل الحديث وهو: الغناء ونحوه {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} قال: قراءة القرآن وذكر الله، نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في السنن عنه أيضاً في الآية قال: هو الغناء وأشباهه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: الجواري الضاريات.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود عن قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} قال: هو والله الغناء. ولفظ ابن جرير: هو الغناء، والله الذي لا إله إلاّ هو، يردّدها ثلاث مرات.
وأخرج سعيد ابن منصور وأحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ، ولا خير في تجارة فيهنّ وثمنهنّ حرام» في مثل هذا أنزلت هذه الآية {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} الآية، وفي إسناده عبيد بن زحر عن عليّ بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن وفيهم ضعف.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرّم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها»، ثم قرأ: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث}.
وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في السنن عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل» وروياه عنه موقوفاً.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك» وفي الباب أحاديث في كل حديث منها مقال.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} قال: الرجل يشتري جارية تغنيه ليلاً ونهاراً.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث}: «إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل».
وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن نافع قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر في طريق، فسمع زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول: يا نافع، أتسمع؟ قلت: لا، فأخرج أصبعيه من أذنيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان».